عندما تتكرر المأساة.. هل تتعلم الرياضة المصرية من دروسها؟ — كورافيا

لا مانع من وقوع الأخطاء، فالأخطاء واردة الحدوث، لكن الكارثة الحقيقية ليست في الخطأ ذاته، بل في التمادي فيه، وإنكار المسؤولية، حتى لو كان الثمن حياة إنسان!
لم يكن رحيل لاعب كرة القدم أحمد رفعت قبل أشهر مجرد حدث عابر، بل كان صدمة كبرى للوسط الرياضي المصري، دفعت وزارة الشباب والرياضة والدولة المصرية لاتخاذ إجراءات عاجلة لمراجعة المعايير الطبية المطبقة في الملاعب، وتشديد الرقابة لضمان توفر فرق طبية مؤهلة لمواجهة الطوارئ، حتى لا تتكرر مثل هذه المأساة.
لكن على الرغم من هذه الجهود، ها نحن اليوم أمام كارثة جديدة، هذه المرة في رياضة ، حيث فقد اللاعب الشاب يوسف أحمد مصطفى حياته في واقعة كشفت عن أوجه قصور خطيرة، قد تكون امتدادا لحلقات متكررة من الإهمال في المنظومة الطبية داخل البطولات الرياضية.
في بيانه الرسمي الصادر اليوم، شدد الاتحاد المصري للكاراتيه على التزامه التام بالضوابط الصحية، مؤكدا أن كل الإجراءات الطبية تم تنفيذها وفقا للكود الطبي، بما في ذلك وجود أجهزة طبية وسيارة إسعاف مجهزة وفريق طبي متكامل في موقع الحدث، وبذل كل الجهود لإنقاذ اللاعب قبل نقله إلى المستشفى حيث وضع تحت الرعاية الكاملة حتى وفاته بعد غيبوبة استمرت 41 يوما.
لكن هذه الصورة التي رسمها الاتحاد تصطدم برواية مغايرة تماما قدمتها أسرة اللاعب، حيث كشف محامي الأسرة في بيان رسمي أن الفريق الطبي في البطولة لم يكن مؤهلا للتعامل مع الحالات الحرجة، وأن الطبيبة الرئيسية كانت متخصصة في أمراض النساء والتوليد، بينما كان الطبيبان الآخران مجرد أطباء امتياز تحت التدريب في العلاج الطبيعي، وهو ما لا يتناسب مع طبيعة البطولات الرياضية.
أما الفاجعة الأكبر، فهي أن سيارة الإسعاف التي زعم الاتحاد أنها “مجهزة بالكامل” لم تكن تحتوي على جهاز الإنعاش القلبي الرئوي (Defibrillator)، وهو ما أضاع “الدقائق الذهبية” التي كان يمكن أن تنقذ حياة اللاعب لو تم التعامل معه بشكل طبي سليم.
إن سلامة الرياضيين ليست رفاهية، بل مسؤولية أساسية يجب أن تكون على رأس أولويات أي منظومة رياضية. البطولات والمنافسات الرياضية لا يمكن أن تكون ساحة للإهمال، حيث تترك حياة اللاعبين رهينة لتجهيزات غير كافية، أو فرق طبية غير مؤهلة، أو بروتوكولات طبية لا تنفذ بالشكل المطلوب.
إن الالتزام بمعايير السلامة الطبية ليس مجرد إجراء شكلي، بل هو خط الدفاع الأول لحماية الرياضيين من المخاطر المحتملة التي قد تحدث في أي لحظة أثناء المنافسات. فوجود فرق طبية مدربة، وتجهيزات إسعافية متكاملة، وإجراءات طوارئ واضحة ومفعّلة، هو الحد الأدنى لضمان بيئة رياضية آمنة.
مما لا شك فيه ان الرياضة المصرية تزخر بالمواهب والنجوم، لكن استمرار حالات الإهمال الطبي قد يفقدنا المزيد منهم، ليس فقط على مستوى الإنجازات، بل على مستوى الأرواح أيضا. وبالتالي فإن غياب المحاسبة الحقيقية عن كل تقصير، وعدم مراجعة الأخطاء وتصحيحها، يعني أننا نترك الباب مفتوحا أمام كوارث جديدة قد تتكرر في أي وقت.
إن تجاهل الأخطاء لن يعيد يوسف أحمد إلى الحياة، لكن ما يمكن فعله الآن هو ضمان عدم تكرار هذه المأساة مرة أخرى، ووضع حد لسلسلة الإهمال التي يدفع ثمنها شباب يمثلون مستقبل الرياضة المصرية.
تعليقات